15‏/04‏/2009

إطلاق سراح مسجوني الحوض المنجمي : مطلب وطني

اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض ألمنجمي

إطلاق سراح مسجوني الحوض المنجمي : مطلب وطني



في مارس 2009، تكون قد مرت سنة كاملة على تكوين اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض ألمنجمي ، تكونت من شخصيات وطنية حاولت فك الحصار الإعلامي المفروض على تحركات المنطقة، كما حاولت التعريف بهذه الحركة لدى الراي العام ، كحركة احتجاجية سلمية لم تخرج عن إطار المطالبة بالحق في الشغل، ترفض العنف وتنادي دائما بالحوار مع السلطة لفض كل الإشكاليات القائمة.

لم تكن نتائج مناظرة شركة فسفاط قفصة وما رافقها من غياب للشفافية وتجاوز للنفوذ الا القطرة التي أفاضت كأس واقع مرير يحمل العديد من التناقضات، ثروة فسفاطية هامة و غياب التنمية الجهوية ، الاف الشبان والشابات يحملون شهائد عليا لكنهم لم يجدوا مواطن شغل ، أراض فلاحية شاسعة شوهتها حفريات الشركة ، أودية جفت ولا تحمل الا بقايا من أطيان الفسفاط .

كنا على اتصال دائم بقيادة الحركة في الرديف، كنا نتابع معهم الأحداث، نستمع إلى تخوفاتهم، نرتاح معهم حين يظهر بصيص أمل للتفاوض والحوار، ونحزن معهم حين تنسد الأفاق ويغلق باب الحوار، كانوا يفرحون بكل موطن شغل جديد ، خاصة لأصحاب الشهائد المعطلين منذ سنين عن العمل . كان يوما جميلا حين تمكن الحفناوي بن عثمان الذي شارف الكهولة من شغل،و هو الذي لم يتمكن من التسجيل في المرحلة الثالثة بالكلية رغم نجاحه في الدراسة وذلك لنشاطه النقابي ضمن الاتحاد العام لطلبة تونس، و اسقط عمدا من شفاهي مناظرة الكاباس ، على نفس الخلفية.

لم نكن نعرف عدنان وبشير وعادل والطيب وطارق ومظفر وبوجمعة وغيرهم قبل ذلك التاريخ ، لأنهم لم يكونوا من الرموز الذين يحبون الظهور على الفضائيات او على صفحات الجرائد، لكنهم كانوا نقابيين بكل ما تحمله الكلمة من مسؤولية ومواطنين بكل ما تحمله المواطنة من أبعاد: إحساس بالمسؤولية النقابية وتمسك بالدور الذي يجب ان يلعبه النقابي في عمله و محيطه، ودفاع عن حقوق المواطنة وقناعة بأبعادها المتعددة ، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية ، وكذلك شعور تام بالمسؤولية ، إذ طيلة التحركات التي دامت شهور كان الشعار:الحفاظ على سلميتها والحرص كل الحرص على تفادي التجاوزات واستعداد دائم للتفاوض دون شروط، ويقظة تامة ، خوفا من توظف الحركة لهذا الطرف او ذاك.

صعب أن يحمل اي منا كل هذه الابعاد: من منا يستطيع قيادة حركة ويحميها في نفس الان من التجاوزات؟ من منا يمكن ان يحصل على الثقة التامة من مواطنيه ليفاوض حتى دقائق قبل ايقافه؟ اي رجل يقع ايقافه ويعذب دون سبب معلن ثم يقول حين يطلق سراحه بعد ايام انه لا يحمل ضغينة ، لكنه متمسك بمطالب الحركة و بالحوار لحل المشاكل القائمة؟

حتى خلال المحاكمة اثبتوا انهم من طينة خاصة: دافعوا عن مواقفهم ببسالة ، رفضوا التهم المنسوبة اليهم، لم يكونوا عصابة مفسدين والا لما تفاوضت معهم أطراف عديدة من السلطة ولم يهدفوا للمس من الأمن العام وإلا لما سعوا للتهدئة طيلة التحركات، ولم يحملوا سلاحا سوى الكلمة الموزونة والرصينة التي ترفض الهدم وتسعى الى البناء.

لم يتوقع كل المتابعين للمحاكمة صدور أحكام قاسية في حقهم بعد تفنيدهم لكل التهم الموجهة اليهم، حتى المحامين اعتبروا ان الاحكام الصادرة هي النشاز الوحيد في ماراطون المحاكمة. كان الكل ينتظر ان تاخذ المحكمة بعين الاعتبار التجاوزات العديدة التي وقعت في حق المتهمين، أثناء الإيقاف وأثناء التحقيق. كيف تكون المحاكمة عادلة حين يثبت انتزاع الاعترافات تحت التعذيب والتهديد؟ كيف تكون المحاكمة عادلة في غياب الشهود؟

واليوم لا تزال المأساة متواصلة: يقبع هؤلاء النقابيين والشباب في السجون ، ويعاني بعضهم من امراض ناتجة عن ظروف اعتقالهم ، وبعضها الأخر ساهمت هذه الظروف في مزيد تعقيدها . ويتكبد أهاليهم مشاق التنقل ، متكبدين اتعاب مادية لا يقدرون عليها ، واتعاب معنوية ونفسية ، ينتظرون بصيص امل في كل مناسبة ، يلتقطون الاخبار والاشاعات بلهفة ، علهم يسمعون خبرا مفرحا ، فهل يكون القرار السياسي الذي يطوي صفحة الماضي وينهي حالة الاحتقان صعبا الى هذه الدرجة؟

اننا نعتبر ان اطلاق سراح المسجونين وارجاعهم الى سالف عملهم ودراسة احتياجات منطقة الحوض المنجمي والوقوف على اسباب انطلاق الحركة الاحتجاجية ومعالجتها هي مسؤولية السلطة اولا ، التي يجب ان تدرك ان الحوار افضل من الردود الامنية والقضائية ، وان الاستجابة لمطالب المحتجين لا يستنقص من هيبة الدولة وان ارساء قواعد تنمية متوازنة افضل من الحلول الترقيعية . كما انها مسؤولية المعارضة والنقابات وكل مكونات المجتمع المدني ، كي ترتقي بالتضامن والمساندة الى ما تستحقه قيادات هذه الحركة السلمية العادلة.

مسعود الرمضاني وعبد الرحمان الهذيلي

ليست هناك تعليقات: